السبت، 23 فبراير 2013




الاقتصاد التونسي يدفع ضريبة التداين والاقتراض المجحفين
البنك المركزي "سجين" لدى صندوق النقد الدولي

*خبراء يدقّون ناقوس الخطر ويحذّرون من شبح الافلاس قريبا

تونس /الكفاح بالقلم

هل يمكن سداد دين بدين 
  بلغت نسبة التضخّم المالي خلال شهر جانفي المنقضي نحو 6 بالمائة وفق احصائيات المعهد الوطني للاحصاء ، في ما اعلنت النائبة في البرلمان الاوروبي ايفا جولي انّ الديون التونسية ناهزت 40 مليار دينار ما يعني انّها نسبة الديون الخارجية تجاوزت مرّة ونصف حجم الميزانية العامة للبلاد للسنة الحالية والمقدّرة بـ 26 مليار دينار تونسي. وقيّم خبراء اوروبيون هذه الوضعية على انّها "مؤشّر خطير" يؤكد أن تونس في حالة إفلاس وانّها لن تقدر على مواجهة مصاريف الانفاق العمومي ودفع جرايات التقاعد والمواصلة في تحمّل اعباء الخدمات الاجتماعية والقطاعات غير المجدية ولا تمويل صناديق دعم المحروقات والموادّ الاساسية ما لم تتوفّر لها مداخيل جديدة ما يعني بالضرورة - وفق الخبراء – ارتهانها كلّيا الى الصناديق والدوائر المالية العالمية وفي مقدّمتها صندوق النقد الدولي.



 واضطرّت الحكومة التونسية المتخلّية ، موفّى العام المنقضي الى طرق ابواب صندوق النقد الدولي من جديد لطلب خطّ ائتماني تناهز قيمته 2.5 مليار دولار لضمان تغطية حاجيات تونس للعام القادم على اعتبار انّ ميزانية العام الحالي تمّ ضبطها بدعم من البنك الدولي الذي اعلن موافقته منح تونس قرضا بقيمة 500 مليون دينار لاسناد ميزانية 2013 بفترة امهال تناهز الخمس سنوات وبشروط وصفها وزير الاستثمار والتعاون الدولي بالمشجّعة .

بداية الانهيار ؟؟
 وبدأت الاثار السلبية للاقتراض المجحف تؤثّر في السياسة النقدية التي يسهر على ضبطها البنك المركزي التونسي حيث تمّ خلال اوّل اشهر العام الجديد تسجيل نسبة تضخّم تناهز ال6 بالمائة وفق ارقام المعهد الوطني للاحصاء في حين كشفت مصادر متطابقة عن شروع صندوق النقد الدولي مؤخّرا في التدقيق لحظة بلحظة في تطوّرات المشهد الاقتصادي التونسي وفرض حزمة جديدة من المقاييس المجحفة التيّ تسمّى رسميّا "اصلاحات" للحيلولة دون انزلاق البلاد الى مستنقع الافلاس ما يعني تكرار السيناريو اليوناني في تونس.

كرستيم لاقارد المدير العام ل (اف ام اي) خلال زيارتها لتونس


 وقال الخبير المالي الدكتور معزّ الجودي انّ بلادنا تفتقر الى رافعات النموّ الثلاث 
والمتمثّلة في الاستهلاك والتجارة الدولية (الصادرات) والاستثمار ما يعني ، حسب قوله ،انّ ايّ حديث عن امكانية خروج اقتصادنا من الازمة وبداية تعافيه هو ضرب من  المغالطة للراي العام ما لم تتوفّر الرافعات الثلاث السابق ذكرها. وحذّر الجودي وعدد آخر من الخبراء في الاختصاص من تداعيات الاقتراض وتنامي الدّين الخارجي على اعتبار انّ التمادي في هذا النهج لن ينتج عنه سوى الانزلاق نحو اعلان الافلاس.

 وما فتئ المحللون الاقتصاديون التونسيون يحذّرون من مخلّفات الاقتراض الخارجي الذي يكون عادة مسبوقا بحزمة من الشروط المجحفة التي تصل الى حدّ فرض سياسة تقشّفية على البلاد التونسية لضمان سداد القروض في الاجال المضبوطة ما سيعود بالمضرّة على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي على اعتبار انّ تبنّي مقاييس تقشفية يفرض الضغط على صناديق الدعم الوطنية والنزول بها الى ادنى مستوياتها مقابل اتّخاذ مقاييس جبائية مشطّة قد تكون بدورها سببا في افلاس المؤسسات الاقتصادية الوطنية.

البنك المركزي لا حول له ولا قوّة
هل هو استعمار من نوع آخر
 ويذهب الدكتورمحمد علي السايبي في تحليله الى ابعد من ذلك حيث يعتبر انّ توجّه السلطات التونسية نحو الاقتراض الخارجي بدل الانتاج والتصدير من شانه التاثير سلبا في السياسات النقدية التي يسطّر ملامحها البنك المركزي على ضوء حجم السيولة المتداولة في السوق التونسية ما سيفتح المجال ، حسب قوله ، لفقدان تونس للسيادة على سياساتها الاقتصادية (تسطّرها الحكومة)  وكذلك النقدية (يسطّرها بشكل مستقلّ البنك المركزي) والرضوخ الى الاملاءات الخارجية وتنفيذها دون القدرة على مناقشتها. 
 واشارت بعض المصادر الاخبارية المتطابقة ظهر امس الى انّ صندوق النقد الدولي اوفد خبيرا الى البنك المركزي لمراقبة سير "الاصلاحات" المتّفق عليها. واعتبرت المصادر انّ هذه الخطوة تعدُّ "مؤشّرا خطيرا" على سقوط القرار الاقتصادي بين يدي القوى الاجنبية ممثّلة في اكبر هيكل مالي دولي ذي توجّه ليبرالي توسّعي.

 وزادت الاهتزازات السياسية وتداعيات اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد في تأزيم الوضعية الاقتصادية التونسية فيما نزلت مداولات السوق المالية التونسية الى مستويات متدنّية بثّت الفزع في نفوس رجال الاعمال ما دفع برئيسة اتّحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية للتصريح بانّها اصبحت تجد نفسها عاجزة عن توجيه رسالة طمأنة للمستثمرين الاجانب بسبب الاوضاع التي تمرّ بها البلاد.
 وليد الماجري






الثلاثاء، 19 فبراير 2013




نيروز بلعيد ابنة الشهيد في حوار مع مدوّنة "الكفاح بالقلم"
 نَم مطمئنّا سأحمل المشعل عنك يا أبتي
  
*اغبياء ظنّوا انّهم قتلوه ..والدي حيّ في قلوب الملايين
*احلم ان اصبح محامية لأدافع على الشهداء والمظلومين



نيروز بلعيد رفقة والدتها بسمة الخلفاوي
تونس/الكفاح بالقلم
        
وجهُها ملائكيّ يختزن بين ملامحه براءة الاطفال وشموخ الانتساب الى عائلة قدّمت شهيدها فداء للوطن ..كلماتها بسيطة ومباشرة تطفح عزّة ورفعة وتنوء بأوجاع وطن باسره.. وعلى شفتيها ترتسم ابتسامة طفوليّة ذات رمزية لا يفقه معانيها سوى من تربّى بين احضان اسد مناضل لا يساوم وامّ لبؤة لا تهادن بل تقاوم.
 لا تعجب ايّها القارئ فانتَ في حضرة نيروز ابنة شهيد الارض والحرية والكرامة الوطنية . تلك البنت ذات الثماني سنوات التّي حيّرت الملايين بصمودها ورثائها لوالدها الشهيد برأس شامخ رافضة التباكي والانهيار ، مردّدة مقولتها الشهيرة التي اثّرت في الناس ايّما تأثير "والدي عاش مناضلا ومات رجلا وأولى بنا ان نواصل المسيرة بدل البكاء".

 في المساحة الحوارية التالية رحلة مؤثّرة في اعماق نيروز بلعيد .

*كيف تقدّمين نفسك للنّاس يا نيروز ؟
انا نيروز بنت الشهيد .. شهيد تونس.. عمري ثماني سنوات وادرس بالسنة الثالثة اساسي .

*ما الذّي ظلّ راسخا في ذهنك من مسيرة والدك الشهيد ؟
انا اتذكّر كلّ صغيرة وكبيرة من مسيرة والدي .. لقد كان بطلا حيّا وميّتا ..عاش مناضلا ومات رجلا ..لن انساك ابدا يا ابتي فقد علّمتني النضال وألهمتني الصّبر والتحدّي وزرعت فينا جميع حبّ الوطن دون انتظار مقابل.

*كيف قضيّت ليلتك الاولى في غياب والدك عن المنزل ؟
لقد سهرت مع العائلة الى ان ارهقني التعب فنمت حتّى ارى صورة والدي في المنام. في الحقيقة انا لم اشعر بغيابه عنّا ليلة البارحة فوالدي في قلبي وفي وجداني . بابا نحسّ بيه ديما معايا .. ديما موجود في داخلي.

*بماذا كان يوصيك والدك قبل ان تطاله يد الغدر ؟
ابي كان يقول لي دائما :"اذا متّ احملي المشعل واكملي المسيرة التي بدأتها".

*وماهي المسيرة التي بدأها والدك ؟
(باندفاع شديد) ..بابا كان يدافع على المظلومين والمهمّشين والزواولة والبطّالة والمساجين. وانا اعده ان اكمل مسيرته .. رسالتي الى والدي "نم مطمئنّا فانا احبّك كثيرا واعدك باكمال مسيرتك النضالية .. ساتحدّى الظلاميين واهزمهم مثلما كنت تفعل انت.

*ماهي المهنة التي كان والدك يتمنّى ان يراك تشتغلينها ؟
والدي لم يختر لي ابدا ايّ مهنة بل كلّ ما كان يفعله هو حثّي على التفوّق في الدراسة . وامّا عن رغبتي الشخصية فانني اصبحت بعد استشهاد والدي احلم ان اصبح محامية ادافع على المظلومين والمساكين مثلما كان يفعل الاستاذ شكري بلعيد .نحبّ نطلع مناضلة نحامي على المظلومين كيف بابا .. وقد اخترت مهنة المحاماة لكي يتسنّى لي الدفاع عن دم والدي وعن دماء كل الشهداء الذين كان ابي يجوب المحاكم العسكرية بحثا عن حقوقهم الضائعة .

*تتحدّثين كانّك امراة ناضجة ..من علّمك هذا الكلام ؟
لا احد .. هكذا تربّيت منزل العائلة.

*قلت بانّك ستتخرّجين محامية للدفاع عن دم والدك .. الا تثقين في مجرى التحقيقات الحالية ؟
نحن نطالبهم بالكشف عن الارهابيين الذين اغتالوا والدي .. وحتّى وان لم يفعلوا فانّنا سنظلّ صامدين وسنقاوم هؤلاء الارهابيين الى ان نهزمهم ..

*ماذا تقولين لقتلة والدك ؟
اقول لهم حتّى وان غيّبتم جسده فهو حيّ في عيون وفي قلوب الملايين . شكري ماماتش .. شكري حيّ في قلوب تلك الجماهير الغفيرة التي خرجت لتشييع جنازته وتحدّت البرد وحملات الاستفزاز والاعتداءات التي تعرّضوا لها من قبل العصابات الاجرامية في محيط مقبرة الجلاز.

*بماذا شعرت عندما رايت ذلك العدد الكبير من المشاركين في جنازة المرحوم ؟
شعرت انّ والدي حيّ يقود تلك المسيرة ..نسيت انّه توفّي وشعرت بسعادة كبيرة وفرحة لا توصف وانا استمع الى مئات الالاف من الحناجر ترفع شعارات موحّدة . كنت فخورة جدّا بوالدي وكنت متأكدة بانّنا سنهزم هؤلاء الذين كان والدي يسمّيهم اعداء الوطن.لقد قتلوا شكري فوُلد لهم الملايين من شكري . نحن لا نخاف غدركم ايّها الجبناء .. نحن هنا صامدون وسنكمل مسيرة الشهيد حتّى نهزمكم.

*هل لديك كلمات اخرى تودّين توجيهها للتوانسة ؟
ماناش خايفين.    

حاورها :وليد الماجري



في منزل عائلة الشهيد شكري بلعيد
ابشروا .. شكري مَامَاتش ..

ارملته بسمة :الثوّار لا يموتون ايّها الجبناء

جبل الجلود/تونس

تنظر امامك فتطالعك وجوه حزينة تعلو محيّاها كئابة تختزن هول الفاجعة .. تُجيل ناظريك حواليك فيرتدّ لك البصر منكسرا مشحونا بصور ستظلّ محفورة في الذاكرة الى اجل غير مسمّى ..تقترب من الحاضرين فينتابك شعور غريب وغير معهود .. كلّ شيء هنا يبوح بقصص وحكايات عن ثورة تتأرجح بين كفّتي النّصر والغدر .. كلّ شيء يشي بغد غير واضح المعالم .. كلّ شيء يؤشّر لواقع جديد ستكون فيه كلمة الفصل لارادة تلك الجموع التيّ تبنّت خيار الثورة وقالتها صراحة :
"يا شكري يا شهيد على دربك لن نحيد" ..

 نعم انت هنا في حضرة عائلة شهيد "الارض و الحرية والكرامة الوطنية" شكري بلعيد الذّي امتدّت له اياد الغدر الاثمة ذات صباح فغيّبت جسده المنهك بالنضال ولكنّها لم تدر بانّها وحّدت الملايين من التونسيين على اختلاف توجّهاتهم الفكرية والسياسية خلف وصيّة الشهيد.

تحذيرات دون جدوى

بكلمات ملؤها الاسى استقبَلَنا عبد المجيد بلعيد الشقيق الاكبر للشهيد في مدخل منزل العائلة الكائن بضاحية جبل الجلود على بعد بضع كيلومترات من العاصمة. لم يكن يرغب في الكلام بقدر ما كان صمته يُغني عن ايّ كلام. سكت عبد المجيد لبرهة من الزمن ، اطلق تنهيدة مشفوعة برعشة هزّت جسده ثمّ انطلق لسانه :" لقد كان يعلم انّ يد الغدر ستغتاله ، قالها بصريح العبارة داخل العائلة في اكثر من مناسبة ، وقد حذّره والدي خلال الاسبوع المنقضي وطلب منه ان يخفّف قليلا من تحرّكاته مذكّرا ايّاه بانّ لديه بنتين صغيرتين .. فهل تعلم ماذا كانت اجابته .. لقد اجاب بكلّ ثقة في النفس : ابنتيّ لهما الله وانا ملك للوطن ولن يثنيني شيء عن النضال من اجل شعبنا الكادح .. فالربّ واحد والعمر واحد".
 عبد المجيد تحدّث عن الخطوات التي ستتّبعها العائلة لكشف ملابسات حادثة الاغتيال مؤكّدا بانّه وبقيّة عائلة بلعيد لا يثقون مطلقا في قضاء "تتحكّم في النهضة" وفي امن "يصمت على المجرمين" وفي حكومة "خانت دماء الشهداء" و"تستّرت على المجرمين والارهابيين" ، مضيفا في هذا الصدد بانّ امر تتبّع الجناة موكول لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد الذي يعتزم التوجّه محكمة الجنايات الدولية.
 محدّثنا بدا مصرّا على رحيل الحكومة ومن ورائها حركة النهضة عن الحكم كحدّ ادنى لعزاء الشهيد قائلا لكلّ التونسيين ان "ابشروا .. ابشروا شكري مَماتش .. شكري حيّ في قلوب الملايين من التونسيين..ابشروا ولا تتراجعوا فتونس ولاّدة ومثلما انجبت شكري ستنجب الالاف بل الملايين من شكري لمحاربة هؤلاء الظلاميين اعداء الحرية".

سيكون اطول عمرا من قاتليه

على مقربة من عبد المجيد كان يجلس الشّيخ صالح والد الشهيد ، متأزّما مكتئبا وحزينا .. لم نشأ ازعاجه بكمّ كثير من الاسئلة فاختزلنا كلّ الافكار في سؤال واحد : غدا (اي الجمعة) جنازة الشهيد ايّ رسالة توجّهها للتونسيين ؟
صالح بلعيد والد الشهيد
 نظر الينا نظرة مشحونة بالالم ثمّ اشاح بوجهه عنّا متامّلا صورة الفقيد توشّح احد الجدران وقال :"ادعو كل التونسيين لحضور الجنازة والقاء تحيّة اخيرة على جثمان الشهيد .. الاّ النهضة فانّي احذّرها من مغبّة الاقتراب من الجنازة".
 انتهى كلام العمّ صالح ولكنّ الكلام عن الشهيد لم ينته حيث واصل لطفي (شقيق الشهيد) من حيث انتهى والده محذّرا فريق الحكم من حضور الجنازة ، قائلا في السياق ذاته بانّ العائلة ترفض قبول العزاء ممّن وصفهم ب"المحرّضين" و"المتستّرين" .

لطفي بلعيد شقيق الشهيد
 لطفي حدّثنا عن اخر لقاء عائلي جمعه بالمرحوم مشيرا الى انّ هذا الاخير كان قد اتّصل بالعائلة منذ ايام طالبا تحضير وجبة تتمثّل في كسكروت ملاوي فكن له ما اراد . وبعد الانتهاء من الاكل – يقول لطفي – تجاذب اطراف الحديث مع العائلة مخبرا ايّاهم بانّه اصبح يتلقّى بشكل متواتر مكالمات ورسائل تهديد على هاتفه الجوّال. ولمّا جدّدت له العائلة طلبها الالتزام بالحذر اجاب بكبريائه المعتاد " احلم ان اموت وسط الشعب ..فداء لهؤلاء الكادحين والفقراء والمهمّشين والمعطّلين .. فداء للمراة الثائرة".
 لم يستطع لطفي اكمال ما تبقّى من حديثه فقد استبدّت بصوته حشرجة . التقط انفاسه وجمع جرعة صبر وواصل ساردا وعلى شفتيه ابتسامة افتخار واعتزاز :"في تلك الغرفة المقابلة ، يوم اعدام الشهيد صدّام حسين سألت شقيقي شكري عمّا ستؤول اليه الاوضاع في العراق ، فردّ في نبرة لا تخلو من تحدّ: اغبياء ، هل يظنّون انّهم قتلوا صدّام ..لقد صنعوا عشرات الملايين من صدّام حسين .. اغتالوه في جبن فدخل قلوب خصومه قبل حلفائه واضحى عنوانا للمقاومة.".

موعد الفرج اقترب ...

لم يكن من الممكن زيارة عائلة الشهيد وغادرة المنزل دون القاء نظرة على جثمان الشهيد المسجّى في غرفة تعجّ بالزوّار من داخل تونس وخارجها.

ارملته بسمة الخلفاوي رفقة ابنته نيروز


وَلَجنا الى داخل الغرفة بعد جهد جهيد فألفينا جثمان الشهيد مغطّى بالعلم المفدّى ، وعلى مقربة منه كانت تجلس ارملته بسمة الخلفاوي وبنتيه الصغيرتين وعدد من اصدقاء العائلة ولفيف من الاعلاميين :"ظنّوا بانّهم بجريمتهم تلك سيتمكّنون من اسكات كلّ صوت تقدّمي يدافع على الشّعب ولا يهادن جلاّديه – تقول بسمة - لقد اخطؤوا العنوان فالثوّار لا يموتون .. الثوّار لا يموتون ايّها الجبناء لانّ دماءهم الزكيّة لا تذهب هباء ولا تضيع مهما طال الزمن.. انّنا جميعا شكري بلعيد تنصّتوا على هواتفنا جميعا اذن وكرّروا نفس السيناريو معنا ان اردتم .. حتّى وان قتلتمونا جميعا فارادتنا لا تلين ولن تلين ابدا".
 لم تكن تتحدّث كأرملة منزلُها مفتوح للتعازي .. بسمة الخلفاوي كانت تتجلّى كعروس .. كانت تمزج الدموع بالاعتزاز والفخر .. كانت تبشّر التونسيين بقرب موعد الفرج وبزوال الغمامة قريبا .. فريبا جدّا مثلما تقول .
 غادرنا المنزل وعلى شفاهنا يرتسم سؤال وجوديّ : "هل مات شكري فعلا .." .
لم ننتظر طويلا لتأتينا الاجابة في مدخل الباب الرئيسي على لسان عدد من الشباب بصوت واحد هزّ الحيّ بأكمله :" يا شكري يا شهيد على دربك لن نحيد".

روبورتاج : وليد الماجري


الجمعة، 15 فبراير 2013






في وداع اسد الثورة شكري بلعيد

   *بقلم : وليد الماجري            

لم يكن يعلم انّه بموته سيولد ملايين الثوّار
لم يكن يعلم انّ قطرات دمه المسكوبة في عروق الثورة المغدورة ستبثّ الروح في جسد الوطن المنهك وتعيد له زخمه ونقاءه.
 كان ينظر الينا من عليائه ، يعَلّمنا ان نعيش بكبرياء وان نموت بشرف ، فلم نكن نفقهُ معاني الكلمات.

 ظننّاك فضّا غليظ الطبع سيمَتُك الصّدامُ
ظننّاك مغامرا ومقامرا
ظننّاك عابثا
لم نكن نعي انّك قادم من ازمنة حمراء
لم نكن ندرك انّ عروقك تنوء بدماء لينين وانّ ذاكرتك مثقلة بثقافة ماوتسي تونغ ، وانّك تقطع مع الارتهان والخنوع . لم نكن نعي انّك تأبى الخضوع.
وها انّنا ادركنا بعد فوات الاوان :

"كان يا ما كان
في بلاد العميان
فارس عتيد اسمه بلعيد
مقاوم عنيد
سلاحه الافكار
تمرّدَ وثار
 لم يلعن الظلام بل اوقد الشموع
وصاح في الرّبى
يا معشر الجموع
 لا تأمنوا الذئاب
يا معشر الثوّار اوصيكم بالوطن
لا تغمضوا العيون مادام فوق ارضكم
خائن غدّار"

سكتت رصاصات الغدر ولم يسكت بلعيد . كلّما لعلع صوت الرصاص ردّ الشهيد هازئا "الثوّار لا يموتون ..الثوار لا يموتون ابدا يا جبناء"."
رحل شكري بلعيد وعلى شفتيه ترتسم "بسمة" وفوق الجبين "نيروز" وعلى اليسار "اوطاد" وعلى "الجبهة" امجاد .. وعلى اليمين اوغاد دنت ساعة رحيلهم.

 استرح اسد الثورة .. ضرّجتها بدمائك الزكيّة .. لم تعد عبثية ولا عفوية  ثورتُنا.. نم هنيئا فقد سقيتها بدمائك .. ورسمت على جبينها شعار النصر .. استرح ايّها الفارس الاحمر .. ترجّل عن جوادك .. ضع سيفك ودرعك وقرطاسك وقلمك وبزّة المحاماة جانبا واسترح من عناء السفر .. لا داعي لنزع السرج عن الجواد فخلفك فرسان على الدرب سائرون .
 انصت قليلا يا معلّم ، اليست هذه اصوات المتاريس ، كأنّي بقعقعة  السيوف تطرب لسماعها الصّقور في قلب السماء .. انظر الا ترى معي وميض الرماح يشقّ الغيوم.
 استيقظ يا معلّم ..هاك سيفك ودرعك ولترتد بدلة القتال .. لا داعي للرحيل  فقد دقّت ساعة المفازة ..أزفت لحظة الحسم . انصت الى هذه الاهازيج .. جيشك الاحمر توحّد وجاءك رافعا راية حمراء ونجمة وقبضة لا تلين .. ارهف السمع مُعلّمي كأنّي بنشيد الاممية ترفعه الحناجر عاليا .. عاليا في اقاصي السماء :

"هبّوا ضحايا الاضطهاد
ضحايا جوع الاضطرار
بركان الفكر في اتّقاد
هذا آخر انفجار
***
العمّال والفلاحون
جميعا حزب الكادحين
الارض ملك المنتجين
فلا بقاء للخاملين
***
كم تمزّق اللّحمَ منّا
مخالب المفترسين
اجلوا سود الغربان عنّا
تشرق الشمس كل حين
***
بجموع قوية هبّوا لاح الظفر
غد الاممية يوحّد البشر"

الخميس، 14 فبراير 2013



بعد تتالي رسائل التهديد بالتصفية الجسدية

سياسيون واعلاميون يعيشون على هاجس الاغتيالات




تونس /الصريح
لم يعد شعار "لا خوف بعد اليوم" صالحا لقيادة المرحلة الراهنة التي تعيشها البلاد بل بات "ردّ بالك على روحك" الشعار المركزي الذي يرفعه قادة الراي من شخصيات سياسية واعلامية وفكرية في ما بينهم ما يعكس الهاجس الامني الناجم عن تداعيات اغتيال الشهيد شكري بلعيد وتتالي رسائل التهديد بالتصفية الجسدية لكلّ من تطاله سهام التكفير والتخوين والتحريض.

 واضطرّ حزب الوطنيّين الديمقراطيين الموحّد الى الاستنجاد بقواعد الحزب لتوفير الحماية  اللازمة لعدد من القيادات الحزبية وفي مقدّمتها كلّ من الامين العام بالنيابة محمّد جمور وزياد الاخضر عضو المكتب السياسي المسؤول عن التنظيم بعد ان تلقّيا تهديدا بالقتل اثر اغتيال بلعيد بيومين دون ان تحرّك الداخلية ساكنا وفق ما افاد به هيثم التباسي عضو المكتب السياسي المكلّف بالاعلام.
 واكّد التبّاسي ل"الصريح" انّ قيادة الحزب اتّصلت رسميا بوزير الداخلية علي العريّض واعلمته بفحوى التهديدات طالبة منه توفير حماية امنية للمسؤولين الحزبيين الذين طالهم التهديد غير انّ الداخلية لم تستجب لمطلبها ما دفع بقواعد الحزب للتّنظّم في شكل مجموعات بسيطة لمرافقة القيادات الحزبية وتامين الحماية لها خوفا من تكرّر عملية الاغتيال.

 وتلقّى عدد اخر من قيادات الجبهة الشعبية وفي مقدّمتهم الناطق الرسمي حمّه الهمّامي سلسلة من التهديدات اغلبها تمّ رصدها على شبكات التواصل الاجتماعي. وتكرّر الامر ذاته مع عدد اخر من زعماء المعارضة على غرار نجيب الشابي واياد الدهماني وعصام الشابي (الجمهوري) وسمير بالطيّب (المسار) والباجي قايد السبسي والطيّب البكّوش (النداء) ومحمد الكيلاني (الحزب الاشتراكي) وعدد اخر من نوّاب المجلس التاسيسي الذّين ارتأى بعضهم ان يطلع الراي العام على فحوى هذه التهديدات من خلال نشر بعضها على صفحته الخاصة على الفايسبوك.
 ولم تنج الشخصيات الاعلامية والصحفية من التلويح بالقتل سواء عبر الاتصال المباشر او من خلال رسائل الاس ام اس وشبكات التواصل الاجتماعي. واضطرّ المدير العام لراديو موزاييك نورالدين بوطار امس الى طلب الحماية الامنية لصحفيي الاذاعة وفي مقدّمتهم نوفل الورتاني وهيثم المكّي اللذان ارتفع نسق التهديدات الموجّهة اليهما خلال الاونة الاخيرة حتّى انّ اصحاب التهديد حدّدوا تاريخ 12 فيفري موعدا لتنفيذ عمليّات التصفية الجسدية المفترضة ضدّ هذين الصحفيين. ولاحظ المارّة صباح امس وجود مجموعة من عناصر الفوج الوطني لمجابهة الارهاب قبالة راديو موزاييك تمّ تكليفها من قبل مصالح الوزارة بتامين الحماية اللازمة لطاقم الاذاعة استجابة للطلب الصادر عن بوطار.

 وما فتئ عضو النقابة الوطنية للصحفيين زياد الهاني يتلقّى رسائل التهديد الصريح بالقتل بعد كشفه لمعلومان على غاية من الخطورة في احد البرامج التلفزية نقلا عن مصدر امني خاصّ – لم يكشفه – تفيد بانّ مسؤولا امنيا في وزارة الداخلية قد يكون مورّطا في جريمة اغتيال بلعيد.
 وتلقّى الصحفي سفيان بن فرحات ورمزي الطيبي (موقع نواة) ومعزّ بن غربية تهديدات مشابهة عبر مختلف وسائل الاتصال فضلا عن استدعاء كل من بن فرحات والطيبي وبعض الصحفيين الاخرين للادلاء بشهادتهم في ما يخصّ قضيّة اغتيال الشهيد بلعيد.
وبالرغم من جدّية هذه التهديدات (بعضها موثّق بارساليات قصيرة ومقاطع فيديو) الاّ انّ اصرار ضحايا التهديد على مواصلة اداء رسالتهم يلوح – بحسب تصريحاتهم – اكثر من ايّ وقت مضى حيث صرّح الاعلامي هيثم المكّي بانّ القتل لا يرهبه ولن يردعه عن مواصلة السّير على نفس النهج ، كذلك الشأن بالنسبة الى الورتاني وبن فرحات والهاني الذين ابدوا صمودا كبيرا في وجه هذه التهديدات معلنين كلّ حسب طريقته عدم تراجعهم عن اداء رسالتهم وفق ما تقتضيه المعايير المهنية.

 وتسودُ الساحةَ الوطنيّةَ منذ حادثة اغتيال زعيم الوطد شكري بلعيد حالة من الاحتقان الشديد والخوف من المجهول على اعتبار انّ عدم وضوح الاشخاص او الجهة التي تقف وراء عملية التصفية الجسدية جعل الشكوك تُوجّه جزافا يمينا ويسارا  لتنخرط الاحزاب السياسية في فوضى التصريحات والتصريحات المضادّة التي قوامها التراشق بالتهم دون تقديم قرائن وبراهين ادانة . ولئن وجّه اليسار وشقّ من الاحزاب الديمقراطية اتّهامات مباشرة لحركة النهضة محمّلين ايّاها مسؤولية جريمة الاغتيال فانّ قيادات من النهضة ردّت بالتلميح تارة وبالتصريح طورا اخر متّهمة التجمّع (في اشارة الى نداء تونس) واجهزة اجنبية بالوقوف وراء تنفيذ الجريمة رافعة شعار "ابحث عن المستفيد من الجريمة". وماتزال الابحاث جارية وسط تكتّم شديد حول ما تمّ التوصّل اليه الى حدّ الان من معلومات كشَفَها الاستماع الى الشهود بالاضافة الى التقرير الصادر عن الطبيب الشرعي.
وليد الماجري